القرامطة وسرقة الحجر الأسود
لم يكتب في تاريخ البيت الحرام يوما أشد من ذلك اليوم، الذي دخل فيه الزنديق أبو طاهر القرمطي على رأس جيش من القرامطة، مكة المكرمة، في (يوم التروية) الثامن من شهر ذي الحجة من عام 317هـ، وقد اجتمع الحجاج بها من كل مكان استعدادا لأداء فريضة الحج، فقتل القرامطة كل من كان بالبيت الحرام حتى قدرت أعداد من قتل بثلاثين ألفا، وقيل أكثر من ذلك، ورمى القرامطة جثث القتلى في بئر زمزم حتى امتلأت، كما سلب القرامطة البيت، فاقتلعوا باب الكعبة، وكان مصفحا بالذهب، وأخذوا جميع ما كان في البيت من المحاريب الفضة، والجزع وغيره، ومعاليق، وما يزين به البيت من مناطق ذهب وفضة، وقلعوا الحجر الأسود، وصعد القرمطي على عتبة الكعبة وأخذ يصيح: «أنا بالله وبالله أنا.. يخلق الخلق وأفنيهم أنا».
وأمر أصحابه بنهب الحجيج، فجمع شيئا عظيما من الذهب والفضة والجوهر والطيب، ومن متاع مصر واليمن، والعراق، وخراسان، وفارس وبلدان الإسلام كلها... وسبى من النساء والأطفال وسائر الناس نحو عشرين ألفا. وقد ذكر المسعودي أن القرامطة بقوا في مكة ثمانية أيام يدخلونها غدوة ويخرجون منها عشيا، يقتلون وينهبون، حتى رحلوا عنها.
كعبة القرامطة:
وبعد أن انتهى القرامطة من فسادهم وإلحادهم في بيت الله الحرام، حملوا الحجر الأسود معهم إلى ديارهم في بلده هجر في البحرين والمنطقة الشرقية وقيل منطقة الجش وتحديدا إلى القطيف، وبدأ أبو طاهر الجنابي في الإعداد لبناء كعبة، حتى يصد الناس عن الحج إلى البيت الحرام والتوجه إلى كعبته المزيفة.
ويشير الرحالة الإسماعيلي "ناصر خسرو" الذي زار البحرين قرابة سنة 440، وكتب تقريرا مفصلا عن رحلته في بلاد القرامطة في كتابه (سفرنامه) إلى أن السبب وراء انتزاع الحجر الأسود وسرقته ، أن القرامطة زعموا أن الحجر مغناطيس يجذب الناس إليه من أطراف العالم، ويعقب ناصر خسروا بعد ذلك بقوله: لقد لبث الحجر الأسود عندهم سنين عديدة، ولم يذهب إليها أحد.
ظل الحجر الأسود في قبضة القرامطة نحو اثنين وعشرين سنة، وكان عدد من ملوك الإسلام قد طلبوا أن يستردوه بأي مبلغ من المال يحدده القرامطة، وبذل بعض الملوك والأمراء لهم خمسين ألف دينار، فلم يردوه.
عودة الحجر الأسود:
فوجيء المسلمون في يوم النحر (عيد الأضحى) الموافق ليوم الثلاثاء من سنة 339هـ بزعيم القرامطة سنبر بن الحسن القرمطي يوافي مكة بالحجر الأسود، وقال أخذناه بأمر ورددناه بأمر.
وحكي ابن الأثير في سبب رده: أن عبد الله المنعوت بالمهدي القائم ببلاد المغرب والمستولي عليها كتب إلى القرمطي ينكر فعله ويلومه ويلعنه، ويقول: أخفقت علينا سعينا وأشهرت دولتنا بالكفر والإلحاد بما فعلت، ومتى لم ترد على أهل مكة ما أخذته وتعيد الحجر الأسود إلى مكانه وتعيد كسوة الكعبة فأنا برئ منك في الدنيا والآخرة، فلما وصل هذا الكتاب أعيد الحجر إلى مكة. وقيل أن الذي هددهم هو الخليفة العزيز بالله الفاطمي.
وابتلي عدو الله أبو طاهر الخبيث بالآكلة فصار يتناثر لحمه بالدود، وتقطعت أوصاله وطال عذابه حتى مات، وقيل أنه هلك بالجدري في رمضان سنة 339هـ.
سؤال وجواب:
والسؤال الذي يثور الآن لماذا ترك الله عز وجل هؤلاء الكفرة المجرمين يلحدون في الحرم؟ ولم ينتقم منهم كم فعل مع أصحاب الفيل الذي أرادوا هدم الكعبة؟
هذا السؤال أجاب عليه الإمام ابن كثير في عليقه على الحادثة فقال: [إن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهارًا لشرف هذا البيت، ولما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها، وإرسال الرسول منها أهلكهم سريعًا عاجلاً، ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله، فلو دخلوه وأخربوه لأنكرت القلوب فضله، أما هؤلاء القرامطة فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع، وتمهيد القواعد بشرف مدة والكعبة، وكل مؤمن يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحادًا بالغًا عظيمًا، وعلم أنهم من أعظم الملحدين الكافرين، فأخرم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار والله سبحانه يمهل ويملي ويستدرج ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته]متفق عليه، انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق